Marjaa: The Battle Of The Hotels — مرجع: حرب الفنادق

 

التقييم:

المسرح الصوتي
تصوير الآلات
المزج
تسجيل الصوت
النطاق الديناميكي:
10 dB

متوفر:

نسخة رقمية
أسطوانة مدمجة / سي دي
أسطوانة ڤينيل
كلمات وغناء: ميساء جلّاد تأليف موسيقي وعزف: ميساء جلّاد وفادي طبّال تأليف موسيقي وعزف إضافيين: يمنى سابا، مروان طعمه، باسكال سمردجيان، جوليا صبرا، فرح قدور، ساري موسى ويارا أسمر إنتاج: فادي طبّال وميساء جلّاد—باستثناء: هوليداي إن ٢٣-٢٩ آذار من إنتاج ساري موسى مزج: فادي طبّال وساري موسى في استديوهات تيونفورك ماسترينغ: هبة قادري
الساعة الثانية عصرًا في نهار حزيران، وصلت بيروت للتو، أفرغت حقائبي في بنسيون في شارع الحمرا، شحنت بطاريات الكاميرا وانطلقت، ما من وجهة محددة، بلا خريطة أو هاتف ذكي. أول مرة في بيروت التي أعرفها من قصص أبي، أول مرة في بيروت التي لا تحبها أمي، أول مرة في مدينة أعرف تاريخها كما أعرف تاريخ مدينة غزة: أسماء مناطقها، من قُتل فيها وأين، من كتب قصائده السمجة في شوارعها، ومن نجا منها فأنجبني. لم أَسْرِ إلى البحر، لم أسأل عن الاتجاهات، سرت عكس السير، سرت شرقًا. كفن كبير بني اللون سد أفق المدينة شرقًا ودفعني لأغير وجهتي، أسميته "التابوت الكبير"، ثم غيرت وجهتي للشمال باتجاه البحر. وصلت إلى كنيسة مار إلياس، فَتَنِي انفصالها عن واقعها الحداثي وكيف هي الأصلية وكل ما حولها زائف. صورتها وسرت، ليظهر في وجهي كفن المدينة: مبنى أبيض ممزق بالذكريات والرصاص، لم يكتب عليه من القتيل، ربما لكثرة قاتليه وقتلاه. توقفت في منتصف الشارع، فوق الجزيرة الضيقة، وكأن التاريخ أتاني راكضًا من على بُعد ثلاثين عامًا ليصفعني بقوة الزمن. نظرت شرق المدينة، ثم نظرت شمالًا وكأني أقيس المسافات. هذا التابوت البني هو برج المر، والكفن الكبير الآخر هو "الهوليداي إن". أنا بين غرب المدينة وشرقها، أنا في مرمى النار!! أنا ما بين رصاصتين، كلتاهما لا تعرفني، كلتاهما تظنني الآخر. الحرب الأهلية اللبنانية وصدعها المستمر ليومنا هذا ما زالا صلب القصص البيروتية، تلك الحرب الدامية التي صورها زياد الرحباني في "شي فاشل" ومن ثم في "فيلم أمريكي طويل" في طرحه عن شرق المدينة وغربها —وهو ابن شرقها بالوراثة وابن غربها اختيارًا—. تلك الحرب التي لم تنته لليوم، ولم تنته بالطائف، ولم تنته بالانسحاب السوري، ولن تنتهي بألف قذيفة، لأن أربابها ما زالوا يحتكرون تاريخها بعيدًا عن كتب التاريخ المدرسية، وبعضهم ما زال يمارس مهامه كأمير حرب في بدلة أنيقة. حرب أهلية طاحنة ودامية لم ترو ولم تجمع في مرجع عاطفي، أكاديمي واحد، بل في ألف مرجع ومرجع ينحاز مرة للصليب ومرة للهلال ومرات للسنديانة والمطرقة. لتفهم التاريخ اجمع التقاطعات، جرّد الكاتب من انحيازاته وافهم ما شئت، لكن هل تستطيع تجريد نفسك من صليبك؟ من هلالك؟ من سنديانتك؟

"ربما لأنها لم تولد في المذبحة بل عادت إليها، هذا ما دفعها لمحاولة فهم مدينتها أكثر، ولأن الروايات أغلبها غير متطابقة بل متحيزة، كانت مباني بيروت هي الأصدق في رواية جرح المدينة الذي لم يندمل بعد."

لكن، فتاة لبنانية، فر أهلها من مذبحة المدينة لتولد في لندن، قررت أن تعيد رواية حقبة قتماء من تاريخ المدينة، أي حرب الفنادق، على طريقتها، حسب معرفتها، حسب دراستها وفنها. ربما لأنها لم تولد في المذبحة بل عادت إليها، هذا ما دفعها لمحاولة فهم مدينتها أكثر، ولأن الروايات أغلبها غير متطابقة بل متحيزة، كانت مباني بيروت هي الأصدق في رواية جرح المدينة الذي لم يندمل بعد. ميساء جلاد، الموسيقية والمهندسة المعمارية اللبنانية، قررت رواية قصة المعركة لا من وجهة نظر شرق المدينة ولا غربها، بلا سنديانة، صليب أو هلال —صارت، هي، بنايات المدينة تروي ما جرى في أحشائها، من شرفاتها، تروي أحداث المدينة كما شعرت بها المدينة لا من منظور من أطلق الرصاصة أو من أُدمي به. 1825 يومًا من العمل والتجارب، 1825 يومًا من الكتابة والتخيل ليصدر هذا العمل، حيث استطاعت جلاد، بمساعدة يمنى سابا وفادي طبال، تحويل كلمات بلا قافية ومدينة الجراح في معركة الفنادق إلى سرد تاريخي وعاطفي. هذا الألبوم دفعني للتساؤل، لماذا نقدس إصدار بنك فلويد The Wall ونعتبره حدثًا فريدًا في عالم الموسيقى؛ ألان الألبوم مزج بطريقة عبقرية تخطت كل نمطية السبعينيات؟ أو لأن كلماته واكبت حقبة حرجة من عمر المجتمع الغربي المسيطر على الموسيقى؟ أو لأن آلان بارسونز استطاع أن يحول موسيقى روك من كلمات وألحان لعريضة سياسية ومجتمعية عبر تقنيات سمعية وقدرات في المزج سخرت لخدمة هدف الكلمات لتحولها من كلمات لحالة تمتص كل من يسمعها حتى لو لم يكن أبيض؟ شو ما كانت الإجابة، فهي تنم عن الاختلاف في طرح الأغاني بعيدًا عن الحب والهيام و"لا تهزي كبوش التوتي" أولًا، ومن ثم تسخير التقنيات لخدمة الهدف الموسيقي.

انتظرت وصول أُسطوانة الڤينيل بفراغ الصبر فهي طريقتي المفضلة للإصغاء؛ وأتت. وها أنا اليوم أكتب مراجعتي للألبوم في اليوم العالمي للمفقودين، أستمع لألبوم عن المفقودين والشهداء، مُهدى لأُسر المفقودين ولعائلات منذ 1975 لا تعرف شيئًا عن بناتها وأبنائها ولم تُعطهم الحرب كسرة القلب في الوداع مرة بل كسرت قلبهم لأكثر من 49 عامًا وما زالت تكسرهم. أقرأ تقريرًا في العربي الجديد لنغم ربيع عن جرح لبنان المفتوح، أعود للألبوم، أُدخّن، أتذكر أبي، أتذكر بيروت، أُقلب الڤينيل للوجه الثاني، أجلس، أُدخّن وأعي أن تلك الفاجعة، الحرب، لن تُروى لأجيال قادمة إلا بالموسيقى، إلا بالحقيقة.

"وفجأة أعي أن هذا ما أرادته ميساء: هذه الفوضى مُنظّمة، عبقرية هالبنت؛ صوتها ما هو إلا وسيلة، الموسيقى ما هي إلا وسيلة، الكلمات ما هي إلا وسيلة، وأن ما أرادته "الجلاد" هو أن نتذكر، شيئًا أو كل شيء، ما أرادته هو ألا ننسى."

أعرف أن هذا التقييم عاطفي، أعرف أني لم أتطرّق للألبوم كما تطرقت للحرب، الوجع، الفقد، القتل والاختفاء، ألومني، أحاول أن أُصغي للأغاني لأختار واحدة لتقييمها، أفشل، أعود للحرب، أبحث أكثر، أُشاهد وثائقيات لا تنتهي عن حرب الفنادق، عن تل الزعتر، الدامور، السوليدير، أعود للألبوم، أستمع لكل ما غنّت ميساء جلاد، أُشاهد كل مقابلاتها، أبحث عن باسكال، وأرى اسمه في ألبوم سأستمع إليه وأراجعه الأسبوع المقبل، أُصحّح اسم عائلة يُمنى من صبا لسابا، أبحث عن فادي طبّال، عن زياد نوفل و"صدع"، أعود للحرب، أُشاهد أرشيف أسوشييتد برس عن حرب الفنادق "كلّه"، أعود لتل الزعتر كما رواه زياد الرحباني، أتذكر مشاهد من القضية 33، أتذكر الدامور. أستعجب من تشتّتي، أغضب من الوقت الضائع في كل شيء إلا مراجعة مقطوعات الألبوم... أُدخّن، أُحدث زوجتي عن الحرب الأهلية اللبنانية، عمّن ألقوهم من علوّ، من سحلوهم في الشوارع، أتذكر الاقتتال الداخلي في غزة ومن ألقوهم من علوّ هناك أيضًا وكأن مدن هذا البحر المتوسط كُتب عليها أن تقتلنا، أتذكر أسماء من قُتلوا، أعود للألبوم، أُقلبه للوجه الثاني، وفجأة أعي أن هذا ما أرادته ميساء: هذه الفوضى مُنظّمة، عبقرية هالبنت؛ صوتها ما هو إلا وسيلة، الموسيقى ما هي إلا وسيلة، الكلمات ما هي إلا وسيلة، وأن ما أرادته "الجلاد" هو أن نتذكر، شيئًا أو كل شيء، ما أرادته هو ألا ننسى.
لم أستطع أن أحدّد ما هي مقطوعتي أو أغنيتي المفضلة، فالألبوم عمل جماعي وفني متكامل إلى درجة لا تمنحك ترف الاختيار، إلا أن تتلقّاه كعمل كامل لا كمقتطفات.
كنت أتمنى لو:
  1. تم كبس الاسطوانات على سرعة ٤٥ دوران في الدقيقة على اسطوانتين للحفاظ على جودة المقطوعات.
  2. كتب النص التعريفي بالأحداث داخل البوستر المرفق للاسطوانة باللغة العربية بالإضافة للفرنسية والانجليزية. (حتى لو كانت نصوص الأغاني مكتوبة بالعربي)، فالسرد التاريخي للأحداث مهم جدا للقارء العربي الذي يتعرف على حرب الفنادق للمرة الأولى.
  3. لو تم تسجيل الألبوم كله بنفس الجودة، إذ أن بعض الأغاني هي مزيج بين ٤٤.١ و٩٦ كيلوهرنز مما يصعب مهام المحول الرقمي التناظري DAC (وخصوصًا الـ clock) فيشوه النوتات العالية والـ هارمونيكس.

Next
Next

Live From Berlin — على الهواء من برلين